سأل الشيخ حسام الدين عفانة، أحد السائلين قائلاً: إنه قرأ في أحد الكتب التي تتحدث عن رمضان العبارة التالية:
"والإكراه مثل أن يكره الرجل زوجته على الجماع ولم تستطع الامتناع منه فلا شيء عليها وصيامها صحيح، ولا ريب أنه يبوء بإثمها وإثمه إن كان الصيام فرضًا". أرجو توضيح المسألة مع بيان الدليل؟
أجاب: من المعلوم أن الجماع من مبطلات الصوم باتفاق الفقهاء، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وجاء في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي".
رواه ابن خزيمة، وهو حديث صحيح. ويحرم على المسلم أن يبطل صومه أو صوم غيره، ومن تعمد ذلك فقد أتى منكرًا كبيرًا.
وأما الإكراه على الفطر فقد اختلف فيه الفقهاء اختلافًا كثيرًا، وأقتصر هنا على مسألة إكراه الزوجة على الجماع وهي محل السؤال، فأقول: إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية -في أحد القولين عندهم- والحنابلة في القول الذي عليه الفتوى من المذهب.
قالوا: إن الزوج إذا أكره زوجته على الجماع في نهار رمضان فإن صومها قد بطل وعليها القضاء فقط ولا كفارة عليها، بخلاف زوجها فعليه القضاء والكفارة.
وذهب الشافعي في قوله الآخر، والحنابلة في رواية عندهم إلى أن صوم المكرهة صحيح ولا شيء عليها؛ لأنها مكرهة، وقد ورد في الحديث: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". رواه ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
والذي تطمئن إليه نفسي هو القول الأول الذي يوجب على المرأة المكرهة القضاء؛ لأنه يغلب على ظني أن الإكراه في مثل هذه الحالة لا يكون تامًّا، وغالبًا ما يكون هنالك نوع مطاوعة ورغبة من الزوجة.
كما أن مفهوم الإكراه ليس واضحًا عند أكثر الناس، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "وإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة وعليها القضاء.
قال مُهنَّا: سألت أحمد عن امرأة غصبها رجل نفسها فجامعها، أعليها القضاء؟ قال: نعم. قلت: وعليها كفارة؟ قال: لا. وهذا قول الحسن ونحو ذلك قول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي"[1].
وقال المرداوي: "الصحيح من المذهب -أي الحنبلي- فساد صوم المكرهة على الوطء نص عليه -أي أحمد- وعليه أكثر الأصحاب، وهو ظاهر كلام المصنف هنا"[2].
وخلاصة الأمر أنه على هذه المرأة المكرهة على الجماع في نهار رمضان أن تقضي ذلك اليوم الذي أكرهت فيه على الفطر[3].
[1] ابن قدامة: المغني 3/137.
[2] المرداوي: الإنصاف 3/313.
[3] صفحة فتاوى على موقع إسلام أون لاين.
الكاتب: الشيخ حسام الدين عفانة
المصدر: موقع إسلام أون لاين